ما حدث خلال الأيام الماضية من مواجهات، لا يمكن فهمه خارج إطار نشر الفوضى الذي تعمل إيران على تنفيذه في المنطقة بشكل مكثف، فالهجوم على السفينة التجارية الإسرائيلية، ومن ثم تبادل القصف بين حزب الله والإسرائيليين، خلال ذكرى تفجير المرفأ في بيروت، مروراً بالتصعيد في بؤر التوتر في الشرق الأوسط، وإرسال المزيد من المسيرات إلى بعض مناطق المملكة، كل ذلك لم يأت من باب المصادفة. بل هو سلوك مدروس يشبه كل السلوكيات الإيرانية الأخرى منذ قيام الجمهورية الإسلامية في إيران. غير أن المسألة فيما يبدو باتت مختلفة بعض الشيء خلال العقد الأخير، حيث أصبحت الإستراتيجية الإيرانية تعتمد في حركتها في المنطقة على قراءة التوجهات الجديدة للعقل الغربي والأمريكي بشكل خاص تجاه المنطقة ومستقبلها.
فمع دخول العراق مرحلته الجديدة بعد سقوط نظام البعث الحاكم هناك، ولغاية دخول المنطقة برمتها في فوضى ما سمي بالربيع العربي، وصراع التيارات المتطرفة على السلطة، يبدو أن الإيرانيين قد وجدوا ضالتهم، في رصد حركة القوى الكبرى للمنطقة، فالتقطوا الإشارات الأولية التي بات من الواضح أنها تغيرت عن سابق عهدها، مما دفع بالإيرانيين أيضاً إلى إجراء تعديلات جذرية على منهجهم في تحقيق بنك أهدافهم الثوري، بما يتوافق مع مرحلة الفوضى الخلاقة التي أصبحت ملازمة للمنطقة، وقدرها الذي إن خرج من الباب عاد من الشباك.
قرر الإيرانيون أن يكونوا هم العنصر التنفيذي لمشروع إذابة الدول وزعزعة استقرارها، تمهيداً لفرض واقع جديد ومختلف عن واقع المنطقة الذي كانت تعيشه من قبل؛ إدراكاً منهم لأهمية الاستفادة من هكذا مشروع على أمل تحقيق الهدف الأكبر بنيل نصيب الأسد والغنيمة الأكبر من السيطرة على المنطقة مستقبلاً. وهذا ما لن يحدث دون تحويل الدول من المركزية الواحدة إلى المركزيات المتصارعة والقوى المتعددة التي يمكن أخذها على شكل قطعان صغيرة غير متناسقة، بهدف السيطرة عليها أو حتى القضاء عليها إن لزم الأمر، في معارك محدودة زمنياً وجغرافياً، وهذا ما تحقق وما يزال يتحقق بشكل واضح في العراق، وليس من قبيل المبالغة لو قلنا إن قبول النظام الإيراني لعب هذا الدور وإتقانه، هو ما جعله يحصل في المقابل على مكافأة لم يكن يحلم بها منذ أن تبنى وجهه السياسي النموذج الراديكالي الحالي. فقبلت إدارة أوباما بالمقابل توقيع الاتفاق النووي، وأعطي النظام الإيراني المزيد من المكتسبات دون مقابل أو ضوابط قد تقلص من دوره المرتبط مباشرة في تهديد أمن المنطقة وإرهابها. ولعل هذا ما يفسر ضبابية ردة فعل القوى الكبرى وبمقدمتها الولايات المتحدة على التنمر الإيراني على المنطقة وزعزعة استقرارها حتى أصبح النظام وأذرعته أكثر راحة وتوسعاً بعملياتهم دون خوف أو حذر.
فمن خلال تتبع مسارات الشد والجذب التي تصل إلى حد المواجهة المباشرة أحياناً، دون أن تنفجر الأوضاع، على عكس كل التوقعات، يتضح أن سيناريو الأحداث وتوزيع الأدوار محكم ضمن خطة كبرى، تعطي الإيرانيين حرية الحركة على طول وعرض المنطقة، بل وتقدم لهم البلدان تلو الأخرى على طبق من فضة.
مهما حاول الإيرانيون تبرير ما يقومون به في المنطقة، إلا أن النتائج كلها متشابهة في كل مكان امتدت له أذرعها السياسية أو العسكرية، بل وحتى الطائفية. فالفوضى هي العنوان الأبرز والقاسم المشترك بين كل بؤر التوتر تحت مسوغات في أغلبها مطاطة وغير واضحة. وسواء كانت مبررات النظام الإيراني في خلق الفوضى هي حقها بالدفاع عن نفسها ومصالح شعبها، أو حماية الطائفة الشيعية ومقدساتها، أو حتى تأديتها لواجبها الأخلاقي، كما تدعي، في تحرير الإنسانية من قمع وطغيات الحكومات، فإن النهاية هي ذاتها.. ترسيخ مشروع الفوضى في المنطقة كهدف مهما كلف الأمر من أرواح أو إراقة للدماء قبل الانقضاض عليها وخنقها.
فمع دخول العراق مرحلته الجديدة بعد سقوط نظام البعث الحاكم هناك، ولغاية دخول المنطقة برمتها في فوضى ما سمي بالربيع العربي، وصراع التيارات المتطرفة على السلطة، يبدو أن الإيرانيين قد وجدوا ضالتهم، في رصد حركة القوى الكبرى للمنطقة، فالتقطوا الإشارات الأولية التي بات من الواضح أنها تغيرت عن سابق عهدها، مما دفع بالإيرانيين أيضاً إلى إجراء تعديلات جذرية على منهجهم في تحقيق بنك أهدافهم الثوري، بما يتوافق مع مرحلة الفوضى الخلاقة التي أصبحت ملازمة للمنطقة، وقدرها الذي إن خرج من الباب عاد من الشباك.
قرر الإيرانيون أن يكونوا هم العنصر التنفيذي لمشروع إذابة الدول وزعزعة استقرارها، تمهيداً لفرض واقع جديد ومختلف عن واقع المنطقة الذي كانت تعيشه من قبل؛ إدراكاً منهم لأهمية الاستفادة من هكذا مشروع على أمل تحقيق الهدف الأكبر بنيل نصيب الأسد والغنيمة الأكبر من السيطرة على المنطقة مستقبلاً. وهذا ما لن يحدث دون تحويل الدول من المركزية الواحدة إلى المركزيات المتصارعة والقوى المتعددة التي يمكن أخذها على شكل قطعان صغيرة غير متناسقة، بهدف السيطرة عليها أو حتى القضاء عليها إن لزم الأمر، في معارك محدودة زمنياً وجغرافياً، وهذا ما تحقق وما يزال يتحقق بشكل واضح في العراق، وليس من قبيل المبالغة لو قلنا إن قبول النظام الإيراني لعب هذا الدور وإتقانه، هو ما جعله يحصل في المقابل على مكافأة لم يكن يحلم بها منذ أن تبنى وجهه السياسي النموذج الراديكالي الحالي. فقبلت إدارة أوباما بالمقابل توقيع الاتفاق النووي، وأعطي النظام الإيراني المزيد من المكتسبات دون مقابل أو ضوابط قد تقلص من دوره المرتبط مباشرة في تهديد أمن المنطقة وإرهابها. ولعل هذا ما يفسر ضبابية ردة فعل القوى الكبرى وبمقدمتها الولايات المتحدة على التنمر الإيراني على المنطقة وزعزعة استقرارها حتى أصبح النظام وأذرعته أكثر راحة وتوسعاً بعملياتهم دون خوف أو حذر.
فمن خلال تتبع مسارات الشد والجذب التي تصل إلى حد المواجهة المباشرة أحياناً، دون أن تنفجر الأوضاع، على عكس كل التوقعات، يتضح أن سيناريو الأحداث وتوزيع الأدوار محكم ضمن خطة كبرى، تعطي الإيرانيين حرية الحركة على طول وعرض المنطقة، بل وتقدم لهم البلدان تلو الأخرى على طبق من فضة.
مهما حاول الإيرانيون تبرير ما يقومون به في المنطقة، إلا أن النتائج كلها متشابهة في كل مكان امتدت له أذرعها السياسية أو العسكرية، بل وحتى الطائفية. فالفوضى هي العنوان الأبرز والقاسم المشترك بين كل بؤر التوتر تحت مسوغات في أغلبها مطاطة وغير واضحة. وسواء كانت مبررات النظام الإيراني في خلق الفوضى هي حقها بالدفاع عن نفسها ومصالح شعبها، أو حماية الطائفة الشيعية ومقدساتها، أو حتى تأديتها لواجبها الأخلاقي، كما تدعي، في تحرير الإنسانية من قمع وطغيات الحكومات، فإن النهاية هي ذاتها.. ترسيخ مشروع الفوضى في المنطقة كهدف مهما كلف الأمر من أرواح أو إراقة للدماء قبل الانقضاض عليها وخنقها.